كل سن من الأسنان الطبيعية في الفك العلوي أو السفلي لها مكان مخصص في عظام الفك تساعد أنسجة اللثة علي الحفاظ علي هذا المكان في الحالة المثالية فإن الأسنان متراصة بجانب بعضها البعض في صورة مستقيمة إلي حد ما و منسجمة مع الفك و حجمه كل سن في المساحة المخصصة له بالضبط دون التواء أو اعوجاج بداخل الفك و كذلك بقية الأسنان فهي في استقامة بجانب بعضها البعض مع راحة الفك و عضلاته.
تخيل مساحة خاوية تسع خمسة أشخاص فقط و لكننا قررنا أن نضيف إلي هذه المساحة خمسة أشخاص أخري بما تشعرون إذا كنتم في هذا المكان؟ شعور بالضيق؟ هل تعرفون الوقوف في هذا المكان بسلاسة أم تواجهون صعوبة تجعلكم بحاجة للالتواء قليلاً حتي تتمكنوا من الوقوف؟ أظن سوف يكون الوضع صعباً بعض الشيء.
حسناً، ما حدث في هذه الحالة هو حالة تزاحم نتيجة لضيق المكان أو استيعابه أكثر من المعتاد و هذا ما يحدث بدرجة كبيرة في الأسنان عند وجودها في مكان ضيق أو زيادة عددها داخل الفك. في بعض الحالات تحيد الأسنان عن الاصطفاف المثالي و الاستقامة بداخل الفك، هذا الحياد هو ما يسبب تزاحم الاسنان و مشاكله الكثيرة الأخرى. حيث أن تزاحم الاسنان يكون نتيجة لعوامل و أسباب كثيرة و مختلفة سوف نذكرها تباعاً.
عندما لا توجد أماكن كافية داخل الفك لاستيعاب جميع الأسنان الدائمة، فإن بعضها يثور جزئياً أو كاملاً، أو يتداخل بقوة مع الأسنان المجاورة. هذا التزاحم قد يكون أماميّاً أو خلفياً، علويّاً أو سفليّاً، و يظهر غالباً في الأسنان الأمامية التي تحدد منظر الابتسامة.
درجات تزاحم الاسنان
هل يوجد أنواع مختلفة لتزاحم الأسنان؟ نعم، هناك أنواع كثيرة وفقاً لعوامل مختلفة و متنوعة و يتم تصنيف التزاحم وقفاً لهذه العوامل فنجد مثلاً:
خفيف (1–3 مم): اختلاف بسيط في محاذاة الأسنان، لا يُلاحظ بسهولة، لكن يشكل عامل خطر مع التقدّم في السن و يكون نتيجة لقيام أحد الأسنان الأمامية في أي من الفكين بالالتفاف بشكل بسيط. يكون العلاج في هذه الحالات سهلاً إلي حد ما و قد يكون علاجها عدم فعل أي شيء سوي بعض التحسينات البسيطة في الابتسامة.
متوسط (4–6 مم): عندما يلتف سنان أو ثلاثة من الأسنان الأمامية في أحد الفكين، يصعب تنظيفها بفرشاة الاسنان و الخيط الطبي، و يؤدي إلى تجمع البلاك و تسوس الاسنان.
شديد (>7 مم): تزاحم الأسنان الشديد و هو من أنواع التزاحم المعقدة بعض الشيء و الذي يشتمل علي عدد أكبر من الأسنان متداخلة مع بعضها البعض. يكون علاج هذه الحالات صعباً في بعض الأحيان و يحتاج إلي خطة علاجية دقيقة تتطلب تعاون أكثر من تخصص في مجال طب الأسنان مثل جراح الأسنان، طبيب تقويم الاسنان و طبيب تركيبات الاسنان.
و هناك تصنيف ثاني و يقوم هذا التصنيف علي تقسيم التزاحم وفقاً لمكان توزيع تزاحم الأسنان بين الفكين:
- تزاحم الأسنان الذي يشتمل علي الفك العلوي فقط.
- تزاحم الأسنان الذي يشتمل علي الفك السفلي فقط.
- تزاحم الأسنان علي الفك العلوي و السفلي. يعتبر هذا النوع من الحالات الصعبة في العلاج و تحتاج للتعاون مع طبيب الأسنان لضمان أجل أطول و نتائج رائعة في النهاية.
أسباب تزاحم الاسنان
هل هناك مشاكل للتزاحم؟ ما هي هذه الأسباب و العوامل التي تتشارك بطريقة مباشرة و غير مباشرة في تزاحم الأسنان و انتشاره بين أسنان كثيرة؟
سوف نذكر الأسباب و العوامل وراء مشكلة تزاحم الاسنان بداخل الفك كما وصفناها في المثال السابق:
- صغر حجم الفك يجبر الأسنان على التراكب بسبب نقص المساحة المتاحة.
- كبير حجم الأسنان مقارنة بالفك يؤدي إلى عدم التناسب الطبيعي.
- عدم تناسق الفكين، مثل بروز الفك العلوي أو السفلي، يسهم في تزاحم الاسنان.
- فقدان الأسنان اللبنية مبكرًا يسبب انحرافًا للأسنان الدائمة أثناء نموها، عدم وجود مساحات كافية لتراص الأسنان الدائمة الأكبر حجماً بعد ذلك.
- العادات السيئة كعادة مص الإبهام أو التنفس الفموي و وجود مصاصة قبل سن 3 سنوات تؤثر بشكل مباشر على نمو الأسنان.
- سوء التغذية في الطفولة يعيق النمو الطبيعي للأسنان و الفك، و يساهم في مشاكل التقويم لاحقًا.
- أسباب وراثية جينية: فقد تجدوا أنكم قد ورثتم حجم الفك الصغير مقارنة بالأسنان من أحد الأقارب أو الآباء مثلاً مما يجعل الفك صغير لاستيعاب الأسنان بداخلها مع ازدحامها بداخل الفك و يمكنكم أيضاً توارث الأسنان كبيرة الحجم و التي تزدحم في مكانها في الفك.
- خلع الأسنان: خلع الأسنان العشوائي خاصة عند الأطفال دون استخدام حافظ للمسافة مما يؤدي إلي تزاحم الأسنان و اختلال محاذاة الأسنان في الفك.
- أسنان زائدة: وجود أسنان زائدة عن الطبيعي بداخل الفك نتيجة لزيادة براعم الأسنان عن عددها المألوف مع اتاحة مساحة ضيقة للأسنان.
- حوادث الفك و الأسنان: قد يؤدي تعرض الوجه لإصابة أو صدمة في حالات الحوادث أو السقوط، إلى فقدان بعض الأسنان، و التي تترك مساحات فارغة تتحرك فيها الأسنان المتبقية مما ينتج عنه أسنان معوجة و تغير في شكل الابتسامة.
- ضروس العقل: ضروس العقل المدفونة بداخل العظم مع انعدام المكان و المساحة المناسبة لها بداخل الفك لظهورها فتقوم بالضغط علي الأسنان المجاورة في الفك. كان هذا من أحد تفسيرات تزاحم الأسنان نتيجة للضغط علي الأسنان المجاورة بداخل الفك و لكن حديثاً هناك أبحاث علمية أثبتت أنه لا علاقة بين ضروس العقل المدفونة و تزاحم الأسنان في الفك.
مضاعفات إهمال علاج تزاحم الاسنان
هل يمكن أن يشكل تزاحم الأسنان مشاكل تجعل العلاج في بعض الأحيان ضرورياً؟ هل يمكن أن تكون الأسنان المتزاحمة بلا مشاكل كمثيلتها المصطفة بجانب بعضها في استقامة؟ نذكر بعض المشاكل المختلفة المصاحبة لتزاحم الأسنان:
- تسوس الأسنان نتيجة لصعوبة غسيل الأسنان في مناطق التزاحم مما يجعل تجمع التكلسات الجيرية في هذه المناطق أمراً وارداً و سبباً في تسوس الأسنان في هذه المنطقة مع الوقت.
- صعوبة التنظيف بين الأسنان و استخدام الخيط الطبي مع زيادة التكلسات الجيرية المسببة لعدة مشاكل كثيرة مثل التهابات اللثة و رائحة الفم الكريهة.
- زيادة التعرض لأمراض اللثة المزمنة مثل التهاب دواعم السن.
- مشاكل في النطق، خاصة إذا كان التزاحم يؤثر على الأسنان الأمامية.
- تآكل غير متساوٍ في الأسنان المحيطة.
- مشاكل إطباق الأسنان و آلام الفك خاصة في حالات التزاحم الشديدة.
- مشاكل تقبل الذات نتيجة لصعوبة الابتسامة بثقة بين الناس خاصة في حالات التزاحم الشديدة و لكن مع بعض التصحيح لتلك الابتسامة يمكن استعادة الثقة بالنفس مرة أخري.
أحدث طرق علاج تزاحم الاسنان
و بعد أن تعرفنا سوياً علي أسباب تزاحم الأسنان المختلفة و المشاكل التي يسببها التزاحم لابد أنكم تريدون معرفة طرق علاج هذه المشكلة. يقوم طبيب الأسنان المعالج مثل أي مشكلة في طب الأسنان بأخذ المعلومات اللازمة منكم من تاريخ مرضي، أشعة للأسنان و مقاسات. كل هذه الوسائل تساعد طبيب الأسنان في اختيار الحل الأمثل.
بعد ذلك يقوم باختيار الحل المناسب وفقاً للمعلومات المتاحة و قد يستخدم طبيب الأسنان بعض التقنيات الحديثة ليتشارك مع المريض النتائج النهائية قبل البدء في مراحل العلاج المختلفة.
تتعدد طرق علاج تزاحم الأسنان و تتنوع وفقاً لدرجة التزاحم نفسها و فنجد من هذه الطرق مثلاً :
- التقويم المعدني التقليدي: حل فعّال لكل الدرجات، قابل للتلوين و التعديل.
- التقويم الشفاف (إنفزلاين): خيار تجميلي ممتاز للكبار، يُركّب و يُزال بسهولة دون تأثير على مظهر الأسنان.
- التقويم اللساني: أجهزة تثبت خلف الأسنان، غير مرئية، لكنها تحتاج خبرة فنية أعلى.
- تقويم ديمون الذاتي الربط: أنظمة سريعة وأقل ألمًا، تربط الأسلاك تلقائيًا بالجهاز.
- توسيع الفك الجراحي: للبالغين ذوي صغر الفك الشديد، يوسع العظام لخلق مساحة كافية.
- أجهزة تقويمية رقمية: تُخطط باستخدام نماذج ثلاثية الأبعاد لنتائج دقيقة و سريعة.
- خلع الأسنان اللبنية المعيقة لظهور الأسنان الدائمة مع إتاحة المساحة المناسبة لتراص الأسنان بصورة مستقيمة مرة أخري و تقليل التزاحم.
- خلع بعض الأسنان لإتاحة مساحة أفضل للأسنان للظهور في مكانها المناسب.
خطوات العلاج النموذجية
إجراء تشخيص أولي بالأشعة ثلاثية الأبعاد و مراجعة أساليب تنظيفك.
تحديد خطة العلاج (جهاز، جلسات، هل يلزم خلع ضرس عقل أو أكثر؟).
تركيب الأجهزة و تدريج تعديل ضغطها لتصحيح المحاذاة.
مراجعات دورية كل 4–6 أسابيع لضبط المسار و تحريك الأسنان تدريجيًا.
مرحلة تثبيت مؤقتة أو دائمة (مثبت الأسنان)، لضمان عدم معاودة الأسنان إلى وضعها السابق.
العناية أثناء العلاج
دائماً ما نقول أن بداية العلاج تبدأ من عند المرضي أولاً هم شركاء في النتيجة النهائية للعلاج و نحتاج للتعاون في كل مرحلة بداية من التخطيط لطريقة العلاج حتي النهاية.
فلا يمكن مثلاً أن يبدأ طبيب الأسنان المعالج في خطة العلاج و اللثة حول الأسنان لا تزال ملتهبة فبعدما يقوم الطبيب بتنظيف الأسنان و اللثة من التكلسات الجيرية يجب عليكم الاستمرار في العناية بصحة الفم و اللثة من غسيل دائم للأسنان مع استخدام الخيط و الغسول الطبي.
أيضاً في حالة وجود تسوس الأسنان و علاجه من قبل طبيب الأسنان يجب عليكم التقليل من الأطعمة السكرية و المشروبات الغازية المسببة للتسوس.
بعد علاج اعوجاج الأسنان و لضمان أجل أطول لهذه النتائج الرائعة يجب عليكم الاستمرار فيما بدأتم فيه في مراحل العلاج الأولي من اهتمام بصحة الأسنان و اللثة المحيطة بها.
تزيد التكلسات الجيرية مع تقويم الأسنان و لذلك يجب استخدام فرش الأسنان المخصصة للتقويم. بعد الانتهاء و إزالة التقويم سوف يقوم طبيب الأسنان المعالج بأخذ بعض المقاسات للفك لتجهيز أداة تثبيت للأسنان يمكن انتزاعها و هي ما يسمي بمثبت الأسنان.
و سوف يقوم طبيب التقويم بإعطاء بعض ارشادات الاستخدام. عليكم اتباع هذه الارشادات بمنتهي الدقة حتي لا تعود الأسنان لمكانها السابق مرة أخري. يمكن كذلك تثبيت الأسنان عن طريق بعض الأسلاك التي لا يمكن انتزاعها إلا بواسطة طبيب التقويم.
الخاتمة
إذا كنت تشعر بتداخل الأسنان أو اختلال ابتسامتك، فالتقويم لم يعد خيارًا جماليًا فقط، بل ضرورة صحية. دون علاج، قد يؤدي التزاحم إلى مشاكل أكثر تعقيدًا تشمل التسوس، أمراض اللثة، و تأثيرات على الثقة بالنفس. عليك التواصل مع طبيب الأسنان لتقييم حالتك و وضع خطة علاج ابتدائية وعملية تساعدك على استعادة ابتسامة صحية و واثقة.







